الغيرة ......................pfffffffffffff

الإنسان كائن غريب…فهو كالبحر…. تارة تراه هائجا ويضرب الصخور بغضبه وتارة تجده
هادئا محتضنا الأصداف برقة وحنية…أهي طبيعة إنسانية قد فطر الإنسان عليها أما إنها
حالة نفسية قد تولدت نتيجة لظروف محيطة قد لا يستطيع تحديدها صاحب الوضع
نفسه؟….ولكن أكثر ما يشدني في هذه النفس الإنسانية وفي هذه اللحظة التي أخط بها
كلماتي على وأنا اتابع قناة الجزيرة هو الغيرة…نعم الغيرة …فأنا دائما اتسائل ما هو
التركيب الكيميائي لغيرة الإنسان التي تختلف من شخص لآخر….غيرة الزوج على
زوجته…غيرة الزوجة على زوجها …غيرة الأخ على أخته…غيرة الصديقة على صديقتها…وغيرة
الأم على ولدها…وغيرة الحبيب على حبيبته والحبيبة على حبيبها…هذه الأنواع من الغيرة
التي قد أطلق عليها الغيرة الحميدة..الغيرة الإيجابية….ولكن فجأة تنقلب موازينها
لتتحول إلى غيرة وحشية حينما تختلط خيوط هذه الغيرة بخيوط الشك لترى الزوج يبطش
بزوجته غير مكثرثا بأحلى لحظات العمر التي قضته معه ومتناسيا لحظات الفرح والحزن
والسهر ومودعا تلك التضحيات التي قدمتها هذه الزوجة البريئة…. و تبصر الأخ من غيرته
على أخته قد نزحت الرحمة من قلبه حينما يراها متلفتتا يمينا وشمالا بحسن نية وهي
معه في أحد المراكز التجارية ليسمعها كلاما وقعه كصخر الجبال على زجاج شفاف
رقيق..أما غيرة الأم نتحسسها عندما يقبل ابنها على الزواج عالرغم مما قد يعتريها من
فرح جامح مختلط بغيرة قاسية قد تنعكس على الابن سلبيا دون قصد منها..ليس هذا فقط
فالغيرة طبق متعدد الأصناف منها ماهو لذيذ ومستساغ ومنها ماهو مر وعلقم..الغيرة من…
والغيرة على….بحروف الجر هذه يختلف المعنى تماما….فالغيرة على شخص ما يكون دافعه
الحب والأخوة والعشق والارتباط الوجداني ويتولد في القلب لا شعوريا فيصاب صاحبها
بالقلق وتنبعث الحرارة منه مسببتا إنحباسا حراريا فالجسد فيلجأ إلى عدة طرق …إما أن
يبوح للطرف الآخر بغيرته ويسعى معه للبحث عن حلول لهذه المشكلة التي أشعلتها أو
يكتم الغيرة في صدره وهذا أخطر بكثير من الطريقة الأولى لأن النفس الإنسانية تصاب
بتعب وإرهاق نتيجة لما تراكم فيها من مواقف أشعلت هذه الغيرة لتنفجر في يوم من
الايام وكأنها بركان غاضب قد تم إيقاظه من سبات عميق ناشرا حممه …حارقا قلوبا قد لا
تعي الأمر برمته….في أحد المرات كنت جالسة مع صديقة لي نتبادل أطراف الحديث ففوجأت
بسؤالها حينما قالت ما رأيك بالغيرة؟…..وبدوري أجبتها بسؤال مماثل؟ فأجابتني ….بأن
الغيرة تعني لها الكثير فهي توضح مدى حب الشخص للطرف الأخر وبأنها تستمع حينما تثير
الغيرة في قلب زوجها ….وهنا اتسائل هل فعلا أن الغيرة تقيس مقدار الحب في قلوبنا
كبشر؟….ما أستطيع قوله أن الغيرة أحد أركان القلب… ومن دونها يبقى الإنسان مفتقدا
عنصرا أساسيا في حياته الإجتماعية والعاطفية …وهنا نتوقف عند محطة أخرى من محطات
الغيرة وهي الغيرة من…..وهذه غيرة سلبية تتولد نتيجة لضعف الوازع الديني لدى
الإنسان الضعيف المفتقر لمعنى إدراك القدر والنصيب …فترى الأخ يحسد أخيه على نعمة
قد أنعمها الله عليه…فيحسده على عمله وعلى منصبه وعلى بيته الفخم متناسيا أن الله
يرزق ويعطي من يشاء ….و يحرم أخرون من هذه النعم لحكمة وابتلاء….هذه الغيرة الشرسة
قد تلحق الضرر بالكثير من الناس وقد تدفع ضعاف النفوس إلى تصرفات حمقاء تجعلهم بعد
ارتكابها يشعرون بالندم ومنهم من يملكون قلبا متحجرا خاليا من الإيمان ولا يبالون
بمشاعر وأحاسيس الأخرين…..وتبقى الحياة هكذا حاملة في دفتها الكثير من المفاجآت
الإنسانية ولكن الذي يبقى هو تقدير الإنسان لذاته ومعرفته نفسه وحقيقة غيرته
وماهيتها ليوجهها التوجيه الصحيح غير متعديا على تلك الفطرة الإنسانية السليمة